الأخبار الكاذبة سابقت الوقائع منذ اللحظات الأولى لانفجار مرفأ بيروت

منذ اللحظات الأولى التالية لانفجار مرفأ بيروت، وفيما كان اللبنانيون ما زالوا تحت هول الصدمة والعشرات منهم تحت أنقاض الأحياء المجاورة للمرفأ في عاصمتهم المنكوبة، كانت الأخبار الكاذبة تغزو مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف اللغات، سواء لتعزيز موقف سياسي أو تحليل أمني، أو لمجرّد جذب التفاعلات على منشورات غير صحيحة توظّف تعاطف المستخدمين حول العالم واهتمامهم بهذه الكارثة.

 

ماذا جرى في بيروت في الرابع من آب/أغسطس؟

عند قرابة السادسة من مساء الثلاثاء في الرابع من آب/أغسطس شعر سكّان العاصمة وجوارها باهتزاز عنيف لثوان عدّة، تلاه صوت انفجار رهيب أحال مناطق بأسرها من العاصمة ركاماً.

وفي اللحظات الأولى بعد الانفجار، ظنّ سكّان كلّ شارع في بيروت أن شارعهم هو الذي استهدف بسيارة مفخّخة أو قصف مجهول المصدر، قبل أن يتبيّن أن العاصمة كلّها منكوبة جراء انفجار 2750 طناً من مادّة نيترات الأمونيوم كانت مخزّنة في عنبر في المرفأ نتيجة حريق لم يتأكّد سببه بعد.

ما هو سبب الانفجار؟

سرعان ما أعلنت السلطات اللبنانية أن الانفجار سببه غياب الإجراءات اللازمة للسّلامة. لكن رئيس الجمهورية ميشال عون لم يستبعد في الأيام التالية أن يكون الانفجار بسبب "صاروخ أو قنبلة"، فيما تتواصل التحقيقات في ملابسات ما جرى.

لكن صفحات ومستخدمين لمواقع التواصل باللغة العربية حسموا الأمر قبل أن يستقرّ غبار الركام، وأشاروا بأصابع الاتهام إلى إسرائيل.

ومن أول الأخبار الكاذبة في هذا السياق، ما نسب إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، إذ تناقل مستخدمون باللغتين العربية والإنكليزية أنه قال تعليقاً على الانفجار: "لقد ضربنا من يستهدفنا".

لكن نتانياهو كان أدلى بهذا التصريح قبل ساعات على انفجار مرفأ بيروت، وفي سياق الحديث عن غارات على جنوب سوريا نفّذتها إسرائيل إثر إحباطها عملية زرع عبوات ناسفة قرب الحدود في مرتفعات الجولان المحتلّ، وليس تعليقاً على ما جرى في المرفأ.

وبعد أقلّ من ساعة على الانفجار، ظهر على مواقع التواصل باللغة العربية خبر منسوب لصحيفة هآرتس الإسرائيلية يتحدّث عن استهداف أسلحة لحزب الله في مرفأ بيروت. لكن الصحيفة لم تنشر شيئاً في الحقيقة من هذا القبيل.

وظهرت صورة على أنها تُظهر نتانياهو وهو يرفع في الأمم المتحدة قبل عامين خريطة عليها موقع مرفأ بيروت

لكن الموقع الظاهر في الخريطة لا علاقة له بمرفأ بيروت الواقع على المدخل الشماليّ للعاصمة، بل هو يظهر في الحقيقة منطقة مجاورة لمطار رفيق الحريري الدولي الواقع في المدخل الجنوبي لبيروت، على بعد ما يقارب عشرة كيلومترات عن المرفأ.

وكان نتانياهو يتحدّث في كلمته تلك في الأمم المتحدة عن "مواقع سريّة" تابعة لحزب الله اللبناني فيها مقذوفات "موجّهة نحو المطار"، ولم يأت على ذكر مرفأ بيروت.

صواريخ وطائرات مسيّرة قبل الانفجار؟

وفي السياق نفسه، ولتعزيز فرضيّة أن إسرائيل قصفت مرفأ بيروت، ظهرت على صفحات مواقع التواصل في لبنان وخارجه مقاطع فيديو قيل إنها تُظهر طائرات مسيّرة أو صواريخ تضرب المرفأ قبيل الانفجار.

وجاء انتشار هذه المقاطع فيما تردّدت على مواقع التواصل في لبنان أخبار عن سماع أشخاص في مناطق مجاورة للمرفأ صوت طائرات حربيّة في السماء قبل الانفجار بقليل.

وأعلن الجيش اللبناني أن طائرات حربيّة إسرائيليّة نفّذت بالفعل تحليقاً فوق عدد من المناطق بين الرابع من آب/أغسطس والخامس منه، من بينها بيروت وضواحيها، لكنه لم يأت على ذكر دور لهذه الطائرات في انفجار المرفأ، علماً أن الطيران الإسرائيلي يجوب الأجواء اللبنانية بشكل مستمرّ.

في هذا السياق ظهر مقطع فيديو لطائرة مسيّرة يدّعي ناشروه أنها ألقت بجسم مجهول قبل انفجار المرفأ، وانتشر هذا المقطع على مواقع التواصل بلغات عدّة منها العربية والفرنسية والبرتغالية.

لكن هذا الفيديو نُشر على وسائل إعلام لبنانية في 30 تموز/يوليو 2020، أي قبل أيام على انفجار المرفأ، بعنوان "تحليق طائرتي درون للعدوّ" في جنوب لبنان.

وفي هذا السياق أيضاً، انتشر فيديو على مواقع التواصل بالعربية والفرنسية والإنكليزية والإسبانية والبرتغالية،  قيل إنه تصوير حراري يُظهر صاروخاً ضرب المرفأ قبل لحظة الانفجار الكبير.

 لكنّ المقطع متلاعب به بحيث بدّلت ألوانه وأضيف إليه صاروخ.

وكذلك انتشر على نطاق واسع مقطع آخر قيل إنه يظهر صاروخاً يضرب المرفأ قبل الانفجار، لكن هذا المقطع متلاعب به أيضاً، وقد أضيف إليه صاروخ لتأييد هذه المزاعم.

أهوال الكارثة

في ثوان معدودة، تحوّلت الشوارع النابضة بالحياة في جوار المرفأ إلى ركام، وأحصي حتى الآن مقتل أكثر من 160 شخصاً وجرح أكثر من ستة آلاف، من بينهم جرحى في مناطق من العاصمة تبعد كيلومترات عدّة عن المرفأ المدمّر بالكامل. وقد وصل تردّد الانفجار إلى جزيرة قبرص، على بعد 200 كيلومتر.

لكن هذه الصور التي انتشرت على مواقع التواصل، باللغة العربية وصولاً إلى لغة البهاسا في إندونيسيا، على أنها لسيارات مستوردة احترقت في مرفأ بيروت ليست ملتقطة في بيروت، بل هي مصوّرة في الصين في العام 2015.

Image
صورة متداولة على أنها لسيارات مستوردة احترقت في مرفأ بيروت، لكن الصورة ملتقطة في الصين عام 2015

وكذلك انتشرت صورة قيل إنها للحفرة التي أحدثها الانفجار، لكن هذه الصورة ملتقطة في الصين أيضاً، في مستودع للمواد الكيميائية انفجر في العام 2015.

التضامن العربي مع لبنان

أثارت الكارثة التي حلّت ببيروت تضامناً واسعاً عربياً وعالمياً، لكن الأخبار التي انتشرت على مواقع التواصل وعلى بعض المواقع الإخبارية أيضاً عن إضاءة الأهرامات في مصر أو برج الساعة في تونس أو قلعة حلب في سوريا بألوان العلم اللبناني هي أخبار غير صحيحة، والصور المرفقة بها إما مركّبة بمعظمها، أو قديمة ملتقطة في مناسبات سابقة.

Image
صورة متداولة على أنها تظهر الأهرامات مضاءة بألوان علم لبنان لكنها صورة مركّبة

وانتشرت أخبار وصور ومقاطع عن إرسال الرئيس السوري بشار الأسد فرق إسعاف إلى لبنان، أو زيارته مصابين لبنانيين في سوريا، أو قوافل جرحى تجتاز الحدود بين البلدين لدخول المشافي السورية، لكن هذه المنشورات غير صحيحة.

وفي سياق متصل، وفي ظلّ حرب الأخبار الكاذبة بين مؤيدين ومعارضين للسياسة التركية في المنطقة، انتشر خبر مفاده أن صوامع القمح في مرفأ بيروت، التي ظلّ جانب منها قائماً رغم الدمار الكبير الذي لحق بها، هي من إنجازات الدولة العثمانية، لكن هذا الخبر غير صحيح، وهذه الصوامع شيّدت في أواخر الستينات من القرن العشرين، أي بعد نصف قرن على انتهاء الحكم العثماني للبنان.

تحريك المشاعر لجذب التفاعلات

وعلى غرار أي حدث في العالم، أدى انفجار مرفأ بيروت لظهور أخبار كاذبة تدغدغ مشاعر مستخدمي مواقع التواصل في العالم لجذب التفاعلات من دون أي بعد سياسي، منها فيديو قال ناشروه إنه آخر ما صُوّر لطفلة عمرها ثلاث سنوات قضت في الانفجار وهي تؤدي أغنية من زمن الحرب الأهلية البنانية (1975-1990)، لكن الفتاة في الفيديو لا علاقة لها بضحايا الانفجار بل هي ما زالت حيّة ترزق.

وانتشرت كذلك صورة على أنها لأصغر ضحايا انفجار بيروت، لكنها في الحقيقة ملتقطة قبل أشهر طويلة.

وكذلك انتشرت صورة على أنها تظهر اثنين من ضحايا الانفجار على الأرض، لكنها في الحقيقة عمل فنيّ نشره فنان أميركي قبل انفجار مرفأ بيروت بنحو أسبوعين.

وإذا كان انفجار مرفأ بيروت قد أدى إلى خروج تظاهرات غاضبة السبت مطالبة برحيل الطبقة السياسية كاملة وتخلّلها اقتحام لمبان عامّة واشتباكات مع قوات الأمن، إلا أن هذا المقطع المنتشر على أنه لتظاهرة السبت منشور في الحقيقة قبل أشهر، علماً أن لبنان يشهد منذ السابع عشر من تشرين الأول/أكتوبر 2019 حركة احتجاجية لم يسبق لها مثيل تحمّل القوى السياسية مسؤولية الفساد الذى أودى بالبلد إلى أزمة اقتصادية خانقة، زاد من حدّتها انتشار فيروس كورونا المستجدّ، قبل أن يشكّل انفجار المرفأ الكارثة الأكبر في مشهد النكبة اللبنانية.

هل لديكم أي شك حول صحة معلومة أو اقتباس أو صورة؟

تواصلوا معنا