
الأخبار المتداولة عن العثور على منشآت تمتدّ لمئات الأمتار تحت أهرامات الجيزة غير صحيحة
- تاريخ النشر 17 مايو 2025 الساعة 11:52
- المدة اللازمة لقراءة المقال: 5 دقيقة
- إعداد: أف ب فرنسا
- ترجمة خدمة تقصّي صحّة الأخبار باللغة العربيّة
حقوق النشر لوكالة فرانس برس 2017-2025: أي استخدام تجاري للمادة يتطلب اشتراكاً. اضغطوا هنا لمعرفة المزيد من التفاصيل
جاء في المنشورات المتداولة "في أعماق الهرم الأكبر بالجيزة، عُثر على ثماني أسطوانات ضخمة حلزونية الشكل تسقط مباشرة على الأرض من ارتفاع يزيد عن 600 متر. هذه ليست عمارة قديمة. هذه هندسة متقدمة. هذه تقنية…إنه يمتد إلى شيء أقدم وأذكى من أي شيء سُمح لنا بتصديقه".

وانتشرت هذه المزاعم على مواقع التواصل الاجتماعي حول العالم بلغات عدة من بينها الانكليزية والألمانية واليابانية والتركية والعربية ونقلتها صحيفة "ديلي ميل" البريطانية.

دراسة أثريّة بدون علماء آثار
تستند هذه المزاعم إلى مؤتمر صحافي عقده في إيطاليا ثلاثة باحثين إيطاليين هم كورادو مالانغا، وأرماندو ماي، وفيليبو بيوندي. وهم لا يتمتعون بأي خلفية في علم الآثار أو علم المصريات. كما أن فرضيتهم، المستندة إلى تفسيرات مثيرة للجدل لصور راداريّة، لا تستند إلى أي أساس علمي، بحسب ما أكده عدد من الخبراء الذين تحدثوا إلى وكالة فرانس برس.
وعقد الباحثون الإيطاليون مؤتمرين صحافيين بثّا عبر يوتيوب في 22 و23 آذار/مارس 2025، وقدّموا فرضيّة تقول بوجود هياكل حلزونية عملاقة تصل عمق يزيد على 600 متر، وتقود إلى مكعبات ضخمة تقع على عمق يتجاوز كيلومترين تحت سطح الأرض. وقد حظيت الفيديوهات بأكثر من 340 ألف مشاهدة.
إلا أنّ نتائج هذا "البحث" لم تنشر في أي مجلة علمية محكّمة، ولم يشارك أي عالم آثار أو متخصص معروف في علم المصريات في هذا المشروع.
ومن بين الباحثين، وحده كورادو مالانغا أستاذ في جامعة بيزا، لكن تخصصه هو الكيمياء العضوية، وله اهتمامات في ما يُعرف بـ"علم الأجسام الطائرة المجهولة".
أما فيليبو بيوندي، المُقدّم كباحث في جامعة ستراكلايد في اسكتلندا، فلم يعد يعمل هناك، ويقود الآن شركة تصوير راداري خاصة باسم "Harmonicsar".
ويقدّم أرماندو ماي نفسه كباحث مستقل في علم الآثار وصحافي، وقد ألّف عدة كتب تروّج لنظريات غير علميّة.
"تجاوز للقواعد" العلميّة
يستغرب فنسان روندو، عالم المصريات الفرنسي ومدير قسم الآثار المصرية في متحف اللوفر، من تجاوز الباحثين للقواعد المتبعة في الأوساط العلمية، إذ أعلنوا عن "اكتشافهم" عبر منشور على فيسبوك ثم في مؤتمر صحفي بسيط.
ويقول لوكالة فرانس برس "كيف يمكن لكيميائي أن يبدي رأيًا حاسمًا في معلمٍ لم يسبق له دراسته؟ عادةً لا يُعلن عن نتائج كهذه للعامة مباشرة، بل تُعرض أولاً على نخبة من المتخصصين لتقييمها".
لا حفريات أو موافقات رسمية
بعد انتشار هذه "الدراسة" نفى عالم الآثار المصري ووزير الآثار الأسبق زاهي حواس أن يكون المجلس الأعلى للآثار في مصر قد منح أي تصريح لهؤلاء للعمل داخل هرم الملك خفرع.

وأوضح حواس في بيانٍ نشره في 22 آذار/مارس 2025 في صفحته على موقع فيسبوك أن قاعدة هرم خفرع منحوتة من الصخر بارتفاع حوالي ثمانية أمتار، و"لا يوجد أسفل هذه القاعدة أي أعمدة، طبقاً للدراسات والأبحاث العلمية التي تمت حول الهرم".
"دراسة" لا تقدّم أي معطيات علميّة صحيحة
"لا وجود لأي دراسة أثرية أو جيولوجية تدعم فرضية وجود منشآت ضخمة تحت الأهرامات"، هذا ما تتفق عليه غيوميت أندرو-لانو، نائبة رئيس الجمعية الفرنسية لعلم المصريات مع جان-غيوم أوليت-بيلوتييه الحائز على دكتوراه في علم المصريّات في جامعة السوربون في باريس.
ويشرح جان-غيوم أوليت-بيليتييه لفرانس برس "الأهرامات بُنيت على هضبة صخرية، ونُحتت لاحقًا لإضافة غرف دفن. لا أثر لشبكات عميقة تحت الأرض كما يُزعم".
ويضيف أنّ الباحثين يزعمون أنّهم كشفوا منشآت على عمق كيلومترات تحت الأرض، في حين أنّ الرادارات المستخدمة في الحفريات الأثرية لا تستطيع الكشف عن عمق يتجاوز 5 أمتار بحسب طبيعتها. ويجزم بالقول إنّ هذه الدراسة المتداولة "لا تقدّم أي معطيات علميّة صحيحة".
زعم أصحاب الدراسة انّهم استخدموا رادارات من نوع SAR وهي عادة تستخدم في التصوير من الفضاء، لا في سبر أعماق الأرض.
ويقول لورانس كونييرز، أستاذ متخصص في هذا النوع من الرادارات في جامعة دنفر الأميركية "تتلاشى الموجات الرادارية كلما توغلت في الأرض، ومن المستحيل أن تصل إلى أعماق كهذه".
ويوضح أنّ وكالة الفضاء الأميركيّة ناسا نفسها تؤكد أن هذه التقنية تُستخدم لرسم خرائط تضاريس الأرض، وليس لاستكشاف طبقاتها الداخلية العميقة".
نظريات مؤامرة متجددة
لطالما كانت الأهرامات محورًا لأفكار غرائبيّة ونظريات مؤامرة، تبدأ بالزعم بأن الكائنات الفضائية شيدتها، ولا تنتهي عند الادعاء بأنها تخفي أسرارًا غامضة يعرفها فقط "نخبة العالم".
وقد تعزّزت هذه النظريات مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي. في هذا الإطار يقول تريستان منديس فرانس، المتخصص في الثقافات الرقمية "لقد أعطت هذه المنصات زخمًا كبيرًا لهذه المزاعم".

ويضيف "في كثير من الأحيان، يبدأ تداول هذه النظريات في أوساط مغلقة، ثم تنتقل إلى وسائل إعلامية تسعى لتحقيق نسب مشاهدة عالية". ويرى أن "جزءاً كبيراً من المستخدمين بات أسيراً لنظام معلوماتي يكرّس قناعاتهم السابقة".
ويحذر من أن هذا النمط قد يقود إلى تطرّف فكريّ، إذ إن "ما يبدو تسليةً في البداية قد يتحول إلى اعتقاد جاد، يفتح الباب أمام تصور متطرّف للواقع".
هل لديكم أي شك حول صحة معلومة أو اقتباس أو صورة؟
تواصلوا معنا