
ما الذي نعرفه حتى الآن عن تلوّث التربة بالفوسفور الأبيض في جنوب لبنان؟
- تاريخ النشر 4 مارس 2025 الساعة 14:34
- المدة اللازمة لقراءة المقال: 4 دقيقة
- إعداد: Joyce HANNA, خدمة تقصّي صحّة الأخبار باللغة العربيّة
حقوق النشر لوكالة فرانس برس 2017-2025: أي استخدام تجاري للمادة يتطلب اشتراكاً. اضغطوا هنا لمعرفة المزيد من التفاصيل
ووفقاً لخبراء، أدى استخدام القنابل الفوسفوريّة إلى القضاء على مساحات زراعية واسعة وتلف للمحاصيل، ولكن ماذا يقولون عن تأثير الفوسفور الأبيض على التربة والمحاصيل وبالتالي على صحّة الإنسان؟
بحسب المجلس الوطني للبحوث العلمية، وهو هيئة بحثية حكوميّة في لبنان، استخدم الجيش الإسرائيلي سلاح الفوسفور الأبيض الحارق في المواجهات الأخيرة التي امتدّت على أكثر من سنة وتوسّع نطاقها في الأسابيع الأخيرة قبل وقف إطلاق النار في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، ما أسفر عن احتراق مساحات كبيرة من الأراضي وإلحاق أضرار بالمحاصيل الزراعيّة والأشجار المثمرة والزيتون والكروم في المناطق التي طالها القصف.
وجاء في تقرير أعدّه المجلس ونشره في العاشر من كانون الأول/ديسمبر 2024، أنّ الجيش الإسرائيلي استخدم 284 قذيفة فوسفوريّة في الفترة الممتدّة بين 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023 و 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، تاريخ وقف إطلاق النار.
في السياق نفسه، تحدّث تقرير لبرنامج الأمم المتّحدة الإنمائي (UNDP) عن احتراق 47 ألف شجرة زيتون بسبب الفوسفور في الحرب الأخيرة.
وسّلط التقرير الصادر في كانون الأول/ديسمبر 2023 الضوء على حوادث ذات صلة منها نفوق ثدييات وطيور وأسماك نتيجة استخدام الفوسفور الأبيض مع آثار ضارة طويلة الأمد على البيئة وخصوصاً على خصوبة التربة ودرجة حموضتها.
هل من تأثير مباشر على المحاصيل؟
ليس معروفاً لغاية الآن مدى هذا التأثير.
بحسب عالم الكيمياء في الجامعة الأميركية في بيروت البروفيسور بيار كرم، فإن الاختبارات التي أجرتها وستجريها الدولة على عينات من التربة والمحاصيل وحدها كفيلة بتقييم الوضع وتحديد المخاطر.
وبناء على ذلك، تُحدّد طرق العلاج، ففي حالة احتراق الفوسفور بشكل كامل تُتّبع طرق محدّدة لعلاج التربة، أما في حالة الفوسفور غير المحترق بالكامل "فنحن أمام كارثة بيئيّة وصحيّة، آثارها خطيرة على المدى البعيد"، بحسب كرم.
- الاحتراق الكامل: أفضل السيناريوهات
ويشرح بيار كرم الطبيعة الكيميائيّة للفوسفور الأبيض قائلاً "عند إلقاء القنابل الفوسفوريّة في الجو لأغراض عسكريّة ولدى احتكاك الفوسفور الأبيض بالأكسجين يتأكسد ويشتعل".

وعندما يحترق الفوسفور الأبيض بالكامل لدى احتكاكه بالأوكسيجين ينتج عنه خماسي أكسيد الفوسفور، وهي مادّة صلبة غير ضارّة (تتسبّب بالدخان الأبيض الكثيف عند الانفجار) وهي تتحلّل في الماء لتعطي حمض الفوسفوريك الذي يشتقّ عنه الفوسفات المستخدم كسماد للتربة أصلاً.
ويعلّق بيار كرم بالقول "حمض الفوسفوريك يذوب في الماء وهذا أمر جيّد".
رغم ذلك، يتطلّب الأمر التعامل معه بحذر.
وينصح أستاذ علم التربة وتغذية النبات في الجامعة الأميركيّة في بيروت عصام بشور "بالابتعاد مدّة أسبوع على الأقلّ عن الأرض حتى تتبدّد الروائح الكريهة والضارّة الناجمة عن الاحتراق".
بعد ذلك، يتعيّن "أخذ عيّنات من الأرض لمعرفة مدى تركّز هذه الأحماض فيها"، ومن ثمّ "حراثة الأرض لجعل أحماض الفوسفور تمتزج بالتربة كأنها سماد، ويخفّ تركيزها"، وفقاً لبشّور.
ماذا عن حموضة الأرض؟
هذه الأحماض، الناتجة عن الاحتراق الكامل ، ترفع حموضة التربة من الناحية المبدئية. ويمكن تعديل هذه الحموضة "بإضافة أسمدة قلويّة أو حتى اللجوء إلى مزروعات تناسبها الحموضة في التربة".
ويضيف "بعض الكائنات الحيّة المجهرية أو البكتيريا أو حتى الفطريات قادرة على هضم هذه المادّة، ويمكن للمزارع أن يضعها ويتركها لتتغذى عليها".
ويعلّق د. عصام بشور على نسبة الحموضة بالأرض فيقول "بالعادة، نحن نعمد إلى تحميض أرضنا التي تحتاج أصلاً للحموضة…" لذلك نقوم عند الحاجة بزيادة الفوسفات (كسماد) لهذه الغاية.
- الاحتراق غير الكامل: مواد سامّة وخطيرة
أما الاحتراق غير الكامل للفوسفور الأبيض، فهو يولّد عناصر كيميائية شديدة السُميّة مثل ثلاثي أكسيد الفوسفور الذي ينتج عنه في ظروف معيّنة عنصر الفوسفين، وفقاً لكرم.
إضافة إلى ذلك، يمكن لبقايا الفوسفور الأبيض غير المحترقة في التربة أن تلوّث السلسلة الغذائية متسبّبة بأضرار صحيّة جمّة.
فبالاستناد إلى دراسات خضعت للمراجعة العلمية، بقي الفوسفور الأبيض في التربة 45 عاماً بعد استخدامه في ميادين للتدريب في الولايات المتحدة وبريطانيا . وبدأت هذه الدراسات بعد ملاحظة نفوق حيوانات بريّة وطيور مائيّة متواجدة في الأماكن التي تعرّضت لقصف بهذه المادة.
ويعلّق بيار كرم فيقول "استخدام الفوسفور الأبيض خطير جداً"، فهو "سينتهي بشكل أو بآخر في سلسلتنا الغذائية" في حال عدم الاحتراق الكامل.
"استخدام الفوسفور الأبيض خطير جداً"، فهو "سينتهي بشكل أو بآخر في سلسلتنا الغذائية".
ويوضح "إذا رعت المواشي في الأراضي الملوّثة أو إذا استُخدمت المياه الملوّثة في الريّ أو حتى إذا استهلكنا منتجات من الأرض التي لحقتها بقايا كيميائيّة سامّة إثر استخدام الفوسفور… كلّ ذلك سينتهي في أنسجة الإنسان أو في أمعائه".
وهذا ما أظهرته دراسات أجريت في ألاسكا ولحظت أن الفوسفور الأبيض يشكّل خطراً محتملاً على المواشي والطيور وذلك بعض ملاحظة نسبة عالية من الفوسفور الأبيض في طيور نافقة وأيضاً نفوق أغنام بعد أن رعت في مساحات استخدمت سابقاً للتدريبات حيث بقيت آثار للفوسفور الأبيض في التربة.
ويضيف "لا نعرف كيف سيُترجم ذلك، ما الذي سيتسبّب به هذا التلوث من آثار صحيّة فبعض العناصر الكيميائيّة التي دخلت جسم الإنسان اكتُشفت آثارها بعد مرور سنوات وكانت سامّة ولا ريب".
بقايا الفوسفور المرئيّة
يدعو عصام بشور المزارعين والسكّان إلى إبلاغ السلطات في حال ملاحظة وجود قنابل أو مخلّفات قد تكون فوسفوريّة.
وتقوم السلطات عادة بتفجير البقايا وبالتالي تعريضها للأكسجين حتى تتأكسد وتحترق بالكامل .
السلطات اللبنانية: نواكب المزارعين
في 23 شباط/فبراير 2025، قالت السلطات اللبنانية إن الفحوصات التي أجريت على عيّنات من المحاصيل، ولاسيما الزيتون، أظهرت حتى الآن عدم تأثرها بالفوسفور، مما يجعل استهلاكها "آمناً".
لكن البيان شدد على أن الأثر " غير المباشر الذي قد يترتب على وجود نسب عالية من عنصر الفوسفور في التربة، قد ينعكس على إنتاجية المحاصيل في الأراضي ذات التركيز العالي مما يستوجب مواكبة المزارعين بهدف إرشادهم إلى سبل تعافي التربة". (أرشيف)
هل لديكم أي شك حول صحة معلومة أو اقتباس أو صورة؟
تواصلوا معنا