صورة التقطها مصوّر لوكالة فرانس برس في رفح في جنوب غزّة في 20 أيار/مايو 2021 (AFP / Said Khatib)

الأخبار المضللة تغزو مواقع التواصل خلال 11 يوما من النزاع العسكري العنيف بين إسرائيل وقطاع غزة

مع دخول وقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينيّة وإسرائيل حيّز التنفيذ الجمعة، تنشر وكالة فرانس برس تقريراً عن ثلاثين خبراً مضللاً عمل على تبيين خطئها صحافيو خدمة تقصّي صحّة الأخبار باللغة العربية، من بينها منشورات ظهرت على حسابات مسؤولين رسميين أو شخصيات عامّة أو وسائل إعلام.

على نحو لم يسبق له مثيل، احتلّت مواجهات الأيام الأحد عشر الماضية بين الفلسطينيين وإسرائيل صدارة الاهتمام على مواقع التواصل الاجتماعي حول العالم، فحوّلتها إلى منابر تضامن أو ساحات اشتباك سياسيّ أو تاريخيّ. لكن هذا الجوّ المشحون بالاهتمام والمتابعة والانفعال شكّل أيضاً فرصة ملائمة لمروّجي الأخبار المضلّلة، سواء لمناصرة فريق على آخر، أم لمجرّد جذب المشاركات والمشاهدات والتفاعلات.

فيديو قديم وصورة مركّبة على حساب مسؤول إسرائيلي

غداة الغارات الإسرائيلية الدامية التي أوقعت 26 قتيلاً في غزّة في العاشر من الشهر الجاري، نشر أوفير جندلمان المتحدّث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو مقطع فيديو قال إنه يُظهر إطلاق حركة حماس صواريخ من بين الأحياء السكنية في قطاع غزّة عمداً. 

Image
صورة ملتقطة من حساب أوفير جندلمان المتحدث باسم نتانياهو على فيسبوك

لكن هذا الادّعاء غير صحيح، فالفيديو منشور قبل سنوات في سياقات مختلفة، منها أنه مصوّر في سوريا عام 2018.

وبعد أيام، وفي سياق اتّهام حركة حماس، التي تتلقّى تأييداً من طهران، بأنها خاضعة للسياسة الإيرانية، نشر أوفير جندلمان صورة تُظهر رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية مقبّلاً يد المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي. 

لكنّ الصورة مركّبة، والنسخة الأصليّة منها تُظهر خامنئي وهو يسلّم خاتماً إلى نجل القيادي العسكري في حزب الله مصطفى بدر الدين.

فيديو من ليبيا نُشر على أنه في غزّة

نشر رجل الدين الإماراتي وسيم يوسف، المعروف بمواقفه المؤيّدة للسلام مع إسرائيل، مقطع فيديو قال إنه يُظهر دعاءً في أحد مساجد غزّة في شهر رمضان على حكّام مصر والمملكة السعوديّة ودولة الإمارات العربيّة المتّحدة، في ما اعتبره تحريضاً تمارسه حركة حماس على الدول الثلاث. 

Image
صورة ملتقطة من حساب وسيم يوسف على تويتر

لكن الادّعاء غير صحيح، فقد أظهر تقرير لخدمة تقصّي صحّة الأخبار أن الفيديو مصوّر في ليبيا إذ تبيّن وجود نسخة أطول من المقطع منشورة قبل عام، تظهر فيها بوضوح أعلام ليبية ورجال باللباس الليبيّ التقليديّ. ورجّح صحافيو فرانس برس في ليبيا أن يكون الفيديو مصوّراً على وجه التحديد في مدينة مصراته. 

جنازة وهميّة في غزّة؟

وفي سياق التشكيك بالرواية الفلسطينيّة للأحداث، ظهر على مواقع التواصل وبلغات عدّة مقطع فيديو قيل إنه يصوّر جنازة مزيّفة في غزّة. 

إلا أن هذا الفيديو صُوّر في الأردن عام 2020 على سبيل الهزل من التحايل على إجراءات كورونا، ولا علاقة له بقطاع غزّة الذي قُتل فيه في الأيام الأحد عشر الماضية 243 شخصا بينهم 66 طفلاً،  كما أصيب 1910 أشخاص بجروح، وفق حصيلة جديدة لوزارة الصحة التابعة لحركة حماس. وبين القتلى مقاتلون من حماس وفصائل فلسطينية أخرى.

وتسببت الصواريخ التي أطلقتها حماس والفصائل من قطاع غزة باتجاه الأراضي الإسرائيلية بمقتل 12 شخصاً، بينهم طفلان وجندي، فيما أصيب 355 آخرون بجروح، وفق الشرطة الإسرائيلية.

وظهر على موقع فيسبوك باللغة الإنكليزية فيديو قيل إنه يُظهر وضع مساحيق على وجه فلسطينيين لجعلهم يبدون مصابين، ومن ثم تصويره. لكن هذا الادعاء مضلّل، والفيديو يُظهر في الحقيقة تدريبا طبياً أقيم في العام 2017، بحسب ما أظهرت فرق تقصّي صحّة الأخبار في فراس برس.

منشورات لجذب التفاعلات 

من جهة أخرى، ورغم كثافة الصور القاسية التي بثّتها وسائل الإعلام عن الدمار والإصابات في غزّة، عمد مروّجو الأخبار المضلّلة إلى استخدام صور قديمة والقول إنها حديثة. والهدف من هذا النوع من المنشورات على الأرجح هو جذب التفاعلات والمشاركات والتعليقات من خلال منشورات يُتوقّع أن تثير عواطف المستخدمين.

فصحيح أن الغارات الإسرائيلية على القطاع المحاصر منذ نحو 15 عاماً أسفرت في الأيام الماضية عن مقتل 66 طفلاً فلسطينياً بحسب السلطات في غزّة، لكن صورة الطفل على قارعة الطريق التي انتشرت على موقع فيسبوك على أنها لطفلة تختبئ في غزة بعد أن مات والداها، منشورة في الحقيقة منذ العام 2014 على أنها مصوّرة في كمبوديا.

وكذلك عمد مروّجو الأخبار المضلّلة إلى استخدام صورة فتاة أصيبت بقنابل فوسفور في أفغانستان عام 2009، أُعيد نشرها في الأيام الماضية مع الادّعاء بأنها مصوّرة حديثاً في القطاع، بعدما أعيد نشرها في السنوات الماضية أيضاً في سياقات مضللّة. 

ودفع هذا الأمر مصوّراً فلسطينياً إلى توجيه نداء على صفحته على موقع فيسبوك لعدم "استغلال صور القضية الفلسطينية ومعاناة الناس" وإعادة نشرها في سياقات مضلّلة، وذلك بعدما جالت صورة له التقطها في العام 2014 مواقع التواصل بلغات عدّة حول العالم على أنها مصوّرة حديثاً في غزّة. 

مواجهات وصدامات 

مساء 11 أيار/مايو، وعلى خلفيّة المواجهات في غزّة، وقعت صدامات من القدس الشرقية المحتلّة إلى مدن مختلطة تضمّ يهوداً وعرباً منها مدينة اللدّ المجاورة لتلّ أبيب، وتحدّثت الشرطة الإسرائيلية عن "أعمال شغب".

لكن الفيديو الذي نُشر على أنه يُظر مواجهات بين متظاهرين والشرطة الإسرائيلية هناك مصوّر في الحقيقة في كاليفورنيا قبل سنة

وفي الضفّة الغربية المحتلّة، نظّم شبان فلسطينيون احتجاجات يوميّة غاضبة ضد القوات الإسرائيلية التي ردّت على رشق الحجارة بإطلاق النار. لكن الصورة المنتشرة في الأيام الماضية لجنود إسرائيليين يهربون من شاب فلسطينيّ يرميهم بالحجارة مصوّرة في الحقيقة مطلع العام الجاري، أثناء احتجاجات ضدّ الاستيطان. 

وفي السياق نفسه، استخدم فيديو مصوّر في الحقيقة في تظاهرة معارضة في بيروت عام 2019، يظهر فيه شاب يركل قنبلة مسيلة للدموع، للقول إنها مصوّرة في حيّ الشيخ جرّاح في القدس الشرقيّة. لكن صحافيي فرانس برس في بيروت سرعان ما تعرّفوا على حقيقته.

واجتاحت مواقع التواصل صورة قيل إنها لفتاة فلسطينيّة تقف متحدّية جندياً إسرائيلياً. صحيح أن صوراً وفيديوهات عدّة أظهرت تحدّي المتظاهرين الفلسطينيين للقوات الإسرائيلية، لكن هذه الصورة بالتحديد مصوّرة في تشيلي قبل نحو خمس سنوات.

حملات تضامن عربية وعالميّة 

أشعلت الأحداث في الأراضي الفلسطينيّة تظاهرات غاضبة متضامنة مع الفلسطينيين حول العالم، من القارّة الأميركية ودول أوروبيّة، مروراً بالمنطقة العربية وإفريقيا، وصولاً إلى إندونيسيا في أقصى شرق آسيا.

لكن هذه الصور التي تظهر تجّمعاً ضخماً في جاكرتا ملتقطة في الحقيقة قبل سنوات، سواء في تظاهرات تضامنية مع الفلسطينيين أم في احتجاجات داخلية في هذا البلد الذي يعدّ أكبر بلد مسلم في العالم من حيث عدد السكان.

وظهرت أيضاً فيديوهات قيل إنها تُصوّر متظاهرين أو مسلّحين من عشائر عربيّة على الحدود مع الجولان السوريّ المحتلّ أو مع الأراضي الفلسطينيّة وهم يطالبون بفتح الحدود أو يهتفون تضامناً مع الفلسطينيين. 

لكن هذه المقاطع إما قديمة أو مصوّرة في سياقات مختلفة ثمّ رُكّبت عليها أصوات من تظاهرات أخرى، كما تُظهر تقارير أعدّتها في الأيام الماضية خدمة تقصّي صحّة الأخبار في وكالة فرانس برس (1,2,3,4،5). 

وفي سياق متّصل، ظهرت صور لبرج القاهرة مضاءً بالعلم الفلسطيني، لكنها مركّبة، وصورة مماثلة لأهرامات الجيزة. لكن مسؤولاً في سلطات الآثار المصريّة نفى لوكالة فرانس برس صحّة هذا الخبر، وتبيّن أن الصورة مركّبة أيضاً

مصر/تركيا 

على غرار معظم الأحداث التي عصفت بالمنطقة في السنوات الأخيرة، أثارت المواجهات بين الفلسطينيين وإسرائيل باب ظهور أخبار مضلّلة تراشق بها مؤيّدو الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من جهة، وأنصار الرئيس التركي رجب طيّب إردوغان من جهة أخرى.

فقد تداول مؤيدو السياسة التركيّة في المنطقة مقطع فيديو  لإردوغان وهو يقول فيه "حان الوقت لتدفع إسرائيل ثمن جرائمها (..) حان وقت الدفاع عن أرواح الشعب الفلسطيني"، قائلين إنه تصريح راهن.

لكن هذا الفيديو مصوّر في الحقيقة عام 2018 في اجتماع لدول منظّمة التعاون الإسلامي. 

ومع أن دخول قوات تركيّة إلى غزّة أمر غيرمنطقي نظراً للواقع الجغرافي والسياسي، لكن ذلك لم يحل دون مشاركة أكثر من 11 ألف مستخدم لفيديو قيل إنه يُظهر تعزيزات تركيّة تدخل القطاع المحاصر.

الفيديو في الحقيقة يُظهر تعزيزات إلى الحدود السوريّة أرسلتها أنقرة عام 2019.


في الجانب الآخر، ومع فتح السلطات المصريّة معبر رفح البرّي لإدخال سيارات إسعاف إلى غزّة، تداول آلاف المستخدمين صوراً قيل إنها تُظهر موكب مساعدات عند المعبر، لكن هذه الصور منها ما يعود للعام 2015 ومنها ما يعود للعام الذي قبله

وفي هذا السياق أيضاً، ظهر منشور يدّعي أن الجيش المصري أعلن اعتبار سيارات الإسعاف الفلسطينية التي تنقل الجرحى إلى مصر، آليات عسكريّة مصريّة محميّة، لكن هذا التصريح لا أصل له

كرة القدم تدخل على خطّ النزاع 

أظهرت مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي باللغة العربية في السنوات الماضية أن كثيراً من الأحداث المؤثّرة التي تشهدها المنطقة لا تنعكس على مواقع التواصل اشتباكاً سياسياً فحسب، بل أيضاً تراشقاً بين الأنصار المتحمّسين لفرق كرة القدم العالميّة، وادّعاءات - منها ما هو صحيح ومنها ما هو مركب - بتضامن أندية أو نجوم رياضيين مع هذا الطرف أو ذاك. 

في هذا السياق، ظهرت بين مشجّعي لاعب كرة القدم البرتغالي كريستيانو رونالدو صورة تُظهره حاملاً لافتة تضامنية مع الفلسطينيين مع الادعاء بأنه تبرّع بمليون ونصف المليون دولار. لكن الصورة مركّبة، وقد سبق أن نفت إدارة أعمال رونالدو لفرانس برس أن يكون تبرّع لغزّة.

في المقابل، ظهرت صورة قيل إنها تُظهر لاعبي فريق برشلونة يرتدون زيّ الجيش الإسرائيليّ تضامناً معه، لكنّ هذه المشاهد عمرها من العام 2017، أما الملابس فهي زيّ موحّد للاعبي الفريق لا علاقة له بالجيش الإسرائيلي.

هل لديكم أي شك حول صحة معلومة أو اقتباس أو صورة؟

تواصلوا معنا