( AFP / FAYEZ NURELDINE)

من "عودة للوثنيّة" إلى "الانحلال الأخلاقي"... أخبار مضللة عن موسم الرياض 2024 تغزو مواقع التواصل

بعد عقود من الانغلاق، تعمل السعودية، صاحبة أكبر اقتصاد في العالم العربي وأكبر مصدّر للنفط الخام في العالم، على تحقيق أهداف "رؤية 2030" الساعية إلى تحوّلها مركزاً للأعمال والسياحة والرياضة. هذا التحوّل الكبير والجذري شكّل مادة خصبة لترويج منشورات غرائبيّة لاقت رغم كونها غير صحيحة رواجاً واسعاً وصدّقها الكثيرون، في ما يعزوه الخبراء إلى كونها تثير العاطفة الدينيّة في ظلّ قلق من التحوّلات الاجتماعيّة الكبرى في "مهد الإسلام" أو اعتراض على سياسات الرياض.

من رفع "أصنام" خلال عروض الأزياء إلى وضع فنّانة على خصرها سيفاً قيل إنّه يُشبه سيف الإمام عليّ بن أبي طالب، وصولاً إلى الرقص على مجسّم يشبه الكعبة وغناء آيات من القرآن، لا تكاد صور ومقاطع فيديوهات يقول ناشروها إنها التقطت من موسم الرياض الأخير تفارق مواقع التواصل الاجتماعي، في ما وُصف بأنه "عودة للوثنيّة" إلى هناك بعد أكثر من 1400 عام من زوالها وانتشار الإسلام ومؤشر على "الانحلال الأخلاقي في بلاد الحرمين".

ويأتي ظهور هذه المنشورات في ظلّ إقامة أنشطة وحفلات وعروض، من بينها عرض لملابس البحر في أيار/مايو وهي أمور كانت تُعدّ ضرباً من الخيال قبل سنوات قليلة.

في هذا السياق، بدأت الأخبار المضلّلة ذات الصلة بالظهور وحقّت بشكل عام تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل.

ويعلّق هشام الغنّام الخبير في مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط على الانتشار الواسع لهذه الأخبار "تنطوي هذه الأخبار المزيفة على عناصر دينية أو ثقافية حساسة، فهي على الأغلب ستثير استجابات عاطفية قوية".

ويضيف الغنّام الذي يُشرف على مركز البحوث الأمنية وبرامج الأمن الوطني في جامعة نايف في الرياض أن ذلك يأتي في ظلّ "غياب التفكير النقدي" لدى الكثيرين من مستخدمي مواقع التواصل، وخصوصاً مع استخدام الذكاء الاصطناعي.

"رؤية 2030" بين ترحيب وانتقاد

يسعى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في إطار خطته الإصلاحية "رؤية 2030"، إلى تطبيق تغييرات اجتماعية وإلى تنويع مصادر دخل بلاده، وتحويل المملكة إلى مركز أعمال ورياضة وسياحة.

فمنذ إطلاق تأشيرة السياحة العامة للمرة الأولى عام 2019، أطلقت المملكة تغييرات مجتمعية، إذ خففت من حدّة القيود المفروضة على النساء وأقامت فعاليات ترفيهية كثيرة، بعدما كانت ولوقت طويل تفرض قواعد صارمة جداً على النساء، بينها حظر القيادة وفرض ارتداء العباءة والحجاب.

وأثارت هذه التغييرات ترحيباً، وأيضاً انتقادات ولاسيما في الأوساط المحافظة في المنطقة العربيّة.

وفي هذا السياق، انتشرت بالتزامن مع موسم الرياض 2024 الكثير من المنشورات المضللة التي تناولت الحدث، فنّدت عدداً منها خدمة تقصّي صحة الأخبار في وكالة فرانس برس في سلسلة تقارير.

أصنام خلال عرض أزياء؟

حصدت صورة مئات المشاركات والتعليقات قيل إنها لأصنام وُضعت على منصة عرض الأزياء، في ما وُصف بأنّه "عودة للوثنيّة" إلى السعودية بعد أكثر من 1400 عام من زوالها وانتشار الإسلام.

Image
صورة ملتقطة من الشاشة في 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 من موقع فيسبوك

لكن التفتيش عنها كشف أنها مركّبة، إذ عمد مستخدمو مواقع التواصل إلى إضافة هذه التماثيل عليها للإشارة إلى أنها فعلاً التقطت في الرياض.

وفي هذا السياق تقول مهى زراقط الأستاذة في كليّة الإعلام في الجامعة اللبنانية لوكالة فرانس برس إن هذه المنشورات تلقى رواجاً بين المستخدمين لأنّها تخاطب مشاعر المسلمين و"تُشعرهم بأنّ الأرض المقدّسة التي انطلقت منها رسالة النبيّ، تُدنّس".

أما عن دوافع الناشرين، فترى زراقط أن "الهدف الأساسي، كما يبدو، سياسي بالدرجة الأولى (..) هناك طرف لا تعجبه السياسة الجديدة التي تنتهجها السعودية حالياً، ويحاول محاربتها".

صور وفيديوهات لا علاقة لها بالسعودية

لم تسلم الحفلات الغنائية الأخيرة في المملكة الخليجية من ناشري الأخبار المضللة، فقد ضجّت مواقع التواصل الإجتماعي بمقاطع فيديو وصور اعتبرها البعض مؤشراً على "الانحلال الأخلاقي في بلاد الحرمين".

فهذا الفيديو الذي قيل إنه يصوّر مغنية بثياب خادشة للحياء ترقص على مجسم للكعبة في الرياض، لا شأن له بالسعودية لا من قريب ولا من بعيد، وهو في الحقيقة يصوّر حفلة لمغنية البوب الأميركية تايلور سويفت أقامتها في العاصمة الأرجنتينية بوينس إيريس قبل نحو عام.

Image
صورة ملتقطة من الشاشة في 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 عن موقع إكس

وفي السياق نفسه، انتشر فيديو قيل إنه يُصوّر اقتحام فتاة سعودية المسرح خلال حفل للمغني الإسباني إنريكي إغليسياس في الرياض.

إلا أن البحث أظهر أن المغني الإسباني لم يُقم أيَ حفل في السعودية في الأيام الماضية، أما الفيديو المتداول فهو مصوّر في أذربيجان قبل سنوات.

السعودية لم تسىء للدين

لطالما كانت السياحة في السعودية مقتصرة لعقود على السياحة الدينية المرتبطة بالحج والعمرة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، إلا أنها في السنوات الأخيرة شهدت حفلات غنائية لفنانين عالميين وعروض أزياء لكبار المصممين وغيرها من النشاطات السياحية والفنية.

في هذا السياق، انتشر مقطع آخر قيل إنه يُظهر حفلة غنائية في الرياض تُغنّى فيها آيات من القرآن على موسيقى غربيّة صاخبة. إلّا أن الصوت المسموع في الفيديو مركّب، أما الفيديو الأصلي فهو لعرض موسيقي لفرقة أميركية في الولايات المتحدة عام 2014.

Image
صورة ملتقطة من الشاشة في 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 من موقع فيسبوك

وفي حفل ضخم ضمن موسم الرياض 2024 حضره نجوم السينما والموسيقى من كل أنحاء العالم، وأحياه نجوم مثل سيلين ديون وجنيفر لوبيز وكاميلا كابيلو ونانسي عجرم وعمرو دياب، احتفل مصمم الأزياء العالمي اللبناني إيلي صعب بمسيرة عمرها 45 عاماً وضع خلالها الموضة العربية على قائمة الخريطة العالمية.

وضجت مواقع التواصل بمشاهد من الحفل الذي تضمن عروضاً ترفيهية وموسيقية مباشرة على الهواء، أشادت بالعمل الفني للمصمم اللبناني، فيما تداول آخرون مشاهد مضللة ادعوا أنها من الحفل.

فقد انتشرت صور قيل إنها تُظهر المغنية الأميركيّة جنيفر لوبيز وهي تضع حول خصرها سيفاً ذا رأسين يشبه سيف عليّ بن أبي طالب بحسب ما وصفه التراث الإسلامي.

إلا أن ما قيل غير صحيح، فالفنانة الظاهرة في الصور هي المغنية التشيليّة من أصل فلسطينيّ إليانا خلال حفل لها في نيويورك قبل أسابيع.

Image
صورة ملتقطة من الشاشة بتاريخ 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 عن موقع فيسبوك

يرى الغنام أن الطوق يكتمل "حين تأتي الأخبار من مصادر يثق بها المستخدم أو توافق موقفه الأيديولوجي والثقافي، ما يدفعه إلى تصديق المعلومات من دون التحقق من صحتها".

وترى زراقط أن "المتلّقي يصدّق هذه الأخبار لأنها تؤكد أفكاره المسبقة أو آراءه السياسية غير الراضية عن التغييرات الحاصلة في السعودية، فيرى في انتشار مثل هذه الأخبار تأكيداً لوجهة نظره، فيصدّقها وقد يصبح مشاركاً في نشرها بل ورافضاً تصحيحها".

ويختم الغنام قائلاً "في البيئات التي تحظى فيها الأديان والتراث الثقافي بتقدير عميق مثل المجتمعات العربية والشرقية، فإن أي أخبار تشير إلى عدم احترام الدين أو تدنيسه تلقى صدى قوياً".

هل لديكم أي شك حول صحة معلومة أو اقتباس أو صورة؟

تواصلوا معنا