معارك إقليم قره باغ تنعكس تراشقاً بالأخبار الكاذبة على مواقع التواصل باللغة العربية

على وقع المعارك التي اندلعت أواخر أيلول/سبتمبر الماضي بين أذربيجان المدعومة من تركيا والانفصاليين المدعومين من أرمينيا في إقليم قره باغ وما حوله، تحوّلت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي باللغة العربيّة إلى ساحة اشتباك بين مؤيّدي الطرفين وميدان تراشق بالأخبار الكاذبة حول مجريات القتال وسياسات الأطراف المتنازعة وتدخّل دول الإقليم.

ومع بدء تنفيذ اتفاق لوقف إطلاق النار بإشراف روسيّ يثبّت واقعاً جديداً فرضه التفوّق العسكري الأذربيجاني، تنشر خدمة تقصّي صحّة الأخبار في وكالة فرانس برس تقريراً عن أبرز الأخبار والصور والفيديوهات المضلّلة التي ظهرت في الأسابيع الستّة من هذا النزاع.

صور ومقاطع ميدانية من أزمنة وأمكنة مختلفة لتأييد أحد طرفي النزاع

بالتزامن مع تقارير عن انتقال مقاتلين سوريين موالين لتركيا الى جبهة القتال لمساندة أذربيجان، ظهر على مواقع التواصل فيديو قيل إنه يُظهر استهداف عربة تقلّ مقاتلين سوريين على خطّ الاشتباك في قره باغ.

لكن هذا الفيديو في الحقيقة منشور في العام 2019 في مكان لم يتسنّ لصحافيي خدمة تقصّي صحّة الأخبار في وكالة فرانس برس التثبّت منه، لكن مجرّد نشره قبل عام ينفي أن يكون لمقاتلين سوريين في معارك قره باغ الأخيرة.

وفي السياق نفسه، تداول مستخدمون لموقعي فيسبوك وتويتر صورة قيل إنها تُظهر قيادييَن عسكرييَن من المعارضة السوريّة في خندق يعلوه جدار رُسم عليه علم أذربيجان، في ما يوحي بأن الصورة ملتقطة في خطّ القتال هناك. 

لكن الصورة في الحقيقة ملتقطة في سوريا ومنشورة قبل أكثر من شهر على اندلاع معارك قره باغ، أما علم أذربيجان فقد رُكّب عليها.

من الجهة المقابلة، تداول مستخدمون صورة مزدوجة قيل إنها تقارن بين تهجير سكان أذربيجانيين من الإقليم عام 1992 وبين عودة أبنائهم لاستعادته في العام 2020 بقوّة السلاح. 

صحيح أن الصورة الأولى توثّق حدثاً وقع أثناء معارك التسعينات، إلا أن الصورة الثانية مأخوذة العام الماضي من استعراض عسكريّ ولا علاقة لها بمعارك الصيف.

Image

وظهر على موقع فيسبوك فيديو قال ناشروه إنه يُظهر جندياً أذربيجانياً يرتّل القرآن بعد السيطرة على منطقة جبليّة من إقليم ناغورني قره باغ. لكنّه في الحقيقة مُصوّر قبل أشهر من اندلاع الاشتباك المسلّح ويظهر القارئ التركي ابراهيم دميرهان وهو يتلو سورة الفاتحة ومطلع سورة البقرة في منطقة جبليّة في مرمرة التركية في حزيران/يونيو الماضي.


ومع اتسّاع رقعة المعارك واقترابها من الحدود بين أذربيجان وإيران، ظهر على مواقع التواصل فيديو قال ناشروه إنه يُظهر حدّة القصف كما يُرى بالعين المجرّدة من منطقة إيرانية.

لكن ما يظهره الفيديو في الحقيقة هو مناورات استعراضية للجيش الروسي جرت قبل عام.

انتصارات "آرما 3"

ولم تقتصر الفيديوهات المضلّلة على تلك المصوّرة في أمكنة وأزمنة أخرى، بل عمد بعض مروّجي الأخبار الكاذبة إلى استخدام مقاطع مصوّرة من لعبة "آرما 3" الإلكترونية للحديث عن انتصارات هذا الطرف أو ذاك. فهذا الفيديو مثلاً منشور على أنه لطائرة أذربيجانيّة أسقطتها الدفاعات الجويّة الأرمينيّة:


لكنّه في الحقيقة مقطع من اللعبة الإلكترونيّة الشهيرة.

وكذلك هو الحال مع مقطع قيل إنه يُظهر إسقاط طائرة تركيّة.

واستُخدمت اللعبة أيضاً في الجهة الأخرى من خطّ الاشتباك الافتراضي على مواقع التواصل، فقد ظهر مقطع فيديو منها على صفحات وحسابات متعاطفة مع تركيا وأذربيجان على أنه يصوّر إسقاط طائرة أرمينية بنيران الجيش الأذربيجاني.

آنا هاكوبيان

زوجة رئيس الحكومة الأرمينية آنا هاكوبيان كانت بطلة منشورات مرفقة بصور أُخرجت من سياقها الحقيقي، مثل صورة تظهر فيها وهي بلباس عسكري قيل إنها ملتقطة على جبهة القتال.

لكنها في الحقيقة مصوّرة في تدريبات عسكريّة نسائيّة نُظّمت برعاية هاكوبيان، قبل شهر من بدء المعارك.

وانتشرت صور لها ادّعى مروّجوها أنها تُظهرها في ساحة الحرب تقاتل، ثم في مستشفى تداوي الجرحى. واللافت أن هذه الصور ظهرت على صفحات مؤيّدة لطرفي النزاع في آن واحد. فالمتعاطفون مع أرمينيا رأوا فيها دلالة على تضحيات آنا هوكبيان لبلدها، أما أنصار الطرف المقابل فرأوا فيها انسحاباً من جبهة الحرب إلى مداواة الجرحى ما يعكس ضراوة الواقع الميداني وتقدّم القوات الأذربيجانية.

لكن في الحقيقة، فإن الصورة التي قيل إنها في ساحة الحرب ملتقطة أيضا في التدريب النسائي نفسه، أما الصورة الثانية فتُظهر آنا هاكوبيان في جولة على جرحى المعارك، بحسب وسائل إعلام أرمينيّة، ولم تكن تداوي الجرحى كما جاء في المنشورات المضلّلة. 

يهود الجبل

خبران كاذبان ألقيا الضوء عن غير قصد على اليهود الأذربيجانيين الذين يعرفون بيهود الجبل، وعلى قوّة ارتباطهم بقوميّتهم الأذربيجانيّة.المنشور الأول تداوله مؤيدون لأذربيجان وتركيا وهو عبارة عن صورة قيل إنها تُظهر جندياً أرمينياً أثناء احتلال إقليم قره باغ في العام 1992.

لكن الصورة في الحقيقة تُظهر بطلاً قومياً أذربيجانياً يهودياً اسمه ألبير أغارونوف قضى في معارك ذاك العام في صفوف الجيش الأذربيجاني.

وبحسب وزارة الدفاع الأذربيجانيّة، حقّق ألبير أغارونوف إصابات فادحة في صفوف الجيش الأرميني جعلت يريفان ترصد جائزة خمسة ملايين روبل لمن يقتله.

وهو قُتل في أيار/مايو من العام 1992، وأُعلن بطلاً قومياً في حزيران/يونيو من العام نفسه.


 أما المنشور الثاني، فقد تداوله المتحمّسون للطرف المقابل في معرض انتقاد دعم تركيا لأذربيجان، وهو فيديو قيل إنه يُظهر تظاهرة في أذربيجان ترفع علم إسرائيل.

لكن المقطع في الحقيقة يُصوّر تظاهرة أمام كنيسة تاريخيّة للأرمن في تلّ أبيب شارك فيها يهود إسرائيليون من أصول أذربيجانية دعماً لأذربيجان بوجه أرمينيا.

وبحسب موقع وزارة الدفاع في باكو، أعرب منظمو التظاهرة عن "استعداد الجيل الجديد من المقيمين في إسرائيل (من أصول أذربيجانية) للتضحية والبطولة من أجل أذربيجان في قضيّتها المقدّسة لتحرير أراضيها من الاحتلال الأرميني".

هل لديكم أي شك حول صحة معلومة أو اقتباس أو صورة؟

تواصلوا معنا